النهي عن السمر بعد العشاء
سبب النهي عن السمر بعد العشاء


لقد اختلف العلماء في استِنباط السبب، والبحثِ عن العلة، اللَّذَين نَهى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عن السمر بعد العشاء لأجلهما، وقد جمعتُ جملة من أقوال العلماء في ذلك ولخَّصتها، فمِمَّا قيل: إنه السببُ في المنع من السمر بعد العشاء[1]:
أولاً: أن الصلاة - أي: العِشاء - قد كفَّرَت خطاياه؛ فينبغي له أن يَنام على ذلك، وهذه هي السلامة؛ ذلك أنه قد ختم الكُتَّاب صحيفته بالعبادة، فلا شك إنْ هو سمَر وتحدَّث فسيَملؤها - غالبًا - بما لا تُحمد عُقباه، وقد يجعل خاتمتها اللغو والباطل، فيتدنَّس بالذنب بعد الطهارة، وليس هذا من فعل المؤمنين.

ثانيًا: أن السبب هو في وقوع الصلاة - التي هي أفضل الأعمال - خاتمةَ عمَلِه؛ ولذلك روي عن عمر بن عبدالعزيز رحمه الله "أنه كان يَسمُر ما لم يوتِر"[2]؛ لأنه يَرى أن العبرة بالصلاة، وأنه ينبغي أن تكون هي آخرَ أعماله؛ قال ابنُ رجب: "فجعل الخَتْم بالوتر يَقوم مقام الختم بالصلاة المكتوبة"[3]، وهو ظاهرُ صَنيع سفيان - كما سيأتي - وهذا القول عند التحقيق قريبٌ من الأول.

ثالثًا: أن السَّمر بعد العشاء لا يخلو صاحبُه من حالتين:
أحدهما: أن يَغلبه النوم - آخرَ الليل - ولا بد، وعندها سيَنام عن صلاة الفجر، أو على الأقل عن وقتها، أو حتى عن أوله.

والثانية: أنه وإن جاهد نفسه، واستمرَّ في سمَرِه حتى يَصِلَه بالفجر، فعندها وإن صلى الفجر فإنه سيصلِّيها وقد بلَغ منه الجهدُ مبلغَه، واستحوذ عليه الإنهاكُ - أو على الأقل لن تكون كصلاةِ مَن نام ولم يَسمُر - وهذا سيصرفه ولا بد عن الخشوع الواجب في الصلاة، بل إنه ربما كان سببًا في أنه قد لا يَعقل ما يقرأ في صلاته، أو ما يَسمع من إمامه، وهو في كلتا الحالتين لا شك أنه سيضيع خيرًا كثيرًا، وأجرًا عظيمًا من هذه الصلاة؛ أعني صلاة الفجر.

قال الحافظ: "وإذا تقرَّر أن علة النهي ذلك - أي: هذه - فقد يُفرِّق فارقٌ بين الليالي الطِّوال والقصار".

رابعًا: الخشية من أن يفوته بسبب السمر صلاةُ الليل[4]:
وقد رُوي ذلك عن عمر رضي الله عنه فيما رواه عنه أبو سعيدٍ مولى الأنصار، وأبو رافع، كما رُوي عن سَلمان الفارسي رضي الله عنهم كما سيأتي، وهو ما رجَّحه الشيخ الجبرين.

خامسًا: أن الله عز وجل قد جعل الليل سكنًا، والسمرُ يخرجه عن ذلك كما هو معلوم، وقد استظهَر هذا صاحبُ المُفهِم.

سادسًا: أن سبب النهي عن السمر بعدها هو ما جاء في حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((إياكم والسمرَ بعد هدأة الرِّجْل؛ فإن أحدكم لا يَدري ما يبثُّ الله تعالى من خلقه))[5].

سابعًا: حتى يرتاح الكتَبةُ الكرام؛ وهو مرويٌّ عن عائشة رضي الله عنها كما سيأتي.

ثامنًا: أن السبب خشية الاشتغال بالقصص كما هو دَأب بعض الناس[6]؛ فإنه المخلُّ المضيع للوقت، والله تعالى أعلم[7].

قال الحافظ - بعد أن ساق جملةً من هذه الأقوال -: "تُحمَل الكراهة على الإطلاق حسمًا للمادة؛ لأن الشيء إذا شُرع لِكونه مَظنَّة قد يستمرُّ فيَصير مئنَّة، والله أعلم".

وقال تاج الدين السبكي: "قلت: ويمكن أن يتعلَّق بكل من هذه المعاني؛ بجواز اجتماعها، ولا يمكن أن يقتصر على واحدٍ من التعليلين (الأولين)؛ لئلاَّ يَلزم اختصاصُ الكراهة بمن يَخشى فوات الصبح، واختصاصُهما بمن له تهجُّد يخشى فواته"[8].

[1] تفسير القرطبي (12/ 138)، والمُفْهِم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (6/ 57) للقرطبي، وإكمال المُعْلِم شرح صحيح مسلم (2/ 342) للقاضي عياض، وشرح مسلم (5/ 146) للنووي، وفتح الباري (3/ 376) لابن رجب، وفتح الباري (2/ 390) لابن حجر، وطبقات الشافعية الكبرى (2/ 252 - 253) لتاج الدين السبكي، وإحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام (1/ 169) لابن دقيق العيد. وغيرها.

[2] فتح الباري (3/ 376) لابن رجب.

[3] فتح الباري (3/ 376 - 377) لابن رجب.

[4] ولي مقالة بعنوان: قف لحظة! إضاءة **باح على صلاة الليل وأهلها.

[5] سيأتي تخريجه، في نهي الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عن السمر.

[6] وهو بهذا التعليل يخبر عما كان في ذلك الوقت، وهو: أن أناسًا كانوا يجتمعون لقراءة قصص بعد صلاة العشاء. وهذا هو ما أشار إليه النووي حين قال: "ومن المحرم قراءة نحو سيرة البطَّال وعنترة وغيرهما من الأخبار الكاذبة"؛ مرقاة المفاتيح شرح مشكاة ال**ابيح (3/ 49).

[7] هذا قاله السندي في حاشيته على البخاري (1/ 103).

[8] بتصرف. طبقات الشافعية الكبرى (2/ 253).

http://www.alukah.net/sharia/0/85314/



المصدر: Forums


hgkid uk hgslv fu] hguahx