المَقَالةُ الثَّانِيةُ فِي المَدْخَلِ
المَقَالةُ الثَّانِيةُ فِي المَدْخَلِ :
تَنْبِيْهٌ : كُلُّ قَوْلٍ أَنْقُلُهُ هُنَا عَنْ أَحَدٍ فَإنَّنِي لا أَعْزُوْهُ إلَى مَصْدَرِهِ مَادَامَ فِي الكُتُبِ المَشْهُوْرَةِ التِي تَرْجَمَتْ لَهُ ، أَوْ لِمَنْ كَانَ مَعَ المُتَرْجَمِ ، فَمَثَلاً الإمَامُ أَحَمْدُ ؛ إذَا نَقَلْتُ عَنْهُ شَيْئاً وَلَمْ أَعْزُهُ لِمَصْدَرِهِ فَهُوَ مَوْجُوْدٌ فِي أحَدِ الكُتُبِ المَشْهُوْرَةِ التِي تَرْجَمَتْ لَهُ كَالجَرْحِ والتَّعْدِيْلِ لابنِ أَبِي حَاتِمٍ ، أَوْ تَقْدُمَتِهِ ، أو تَارِيْخِ بَغْدَادَ لِلْخَطِيْبِ ، أَو تَارِيْخِ دِمَشْقَ لابنِ عَسَاكِرَ ، أَو تَهْذِيْبِ الكَمَالِ لِلْمِزِيِّ ، أو تَهْذِيْبِهِ لابنِ حَجَرٍ ، أو غَيْرِهَا مِنْ كُتُبِ التَّراجِمِ المَشْهُوْرةِ كَكُتُبِ الذَّهِبِيِّ وغَيْرِهِ ، أَو يَكُوْنُ المَصْدَرُ نَفْسَ هَذِهِ الكُتُبِ لِمَنْ ذُكِرَ مَعَ أَحْمَدَ فِي نَفْسِ القِصَّةِ أوِ المَقُوْلَةِ ، ومَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فإنِّي أَعْزُوْهُ لِمَصْدَرِهِ .
اسْتِقْرَارُ أُصُوْلِ الجَرْحِ والتَّعْدِيْلِ ، وأُصُوْلِ عِلَلِ الحَدِيْثِ ، واصْطِلاحَاتِ المُحَدِّثِيْن
فِي عَهْدِِ أَئِمَّةِ الحَدِيْثِ الثَّلاثَةِ يَحْيَى وعَلِيٍّ وأَحْمَدَ
فِي عَهْدِِ أَئِمَّةِ الحَدِيْثِ الثَّلاثَةِ يَحْيَى وعَلِيٍّ وأَحْمَدَ اسْتَقَرَّتْ عُلُوْمُ الحَدِيْثِ مِنَ الجَرْحِ والتَّعْدِيْلِ ، وعِلَلِ الحَدِيْثِ ، واصْطِلاحَاتِ المُحَدِّثِيْن .
وعَنْهُم أخَذَ هَذِهِ العُلُوْمَ تَلامِيْذُهُم وأَهْلُ عَصْرِهِم كَالبُخَارِيِّ وأَبِي زُرْعَةَ وأَبِي حَاتِمٍ الرَّازِيَّيْنِ وغَيْرِهِم مِنْ أَئِمَّةِ هَذَا الشَّأنِ .
ولِلأَئِمَّةِ نُقُوْلاتٌ فِي بَيَانِ هَذَا الأَمْرِ سَتَأتِي فِي ثَنَايَا تَرَاجُمِ هَؤلاءِ الأَئِمَّةِ الثَّلاثَة .
التَّصْنِيْفُ فِي أُصُوْلِ الجَرْحِ والتَّعْدِيْلِ ، وأُصُوْلِ عِلَلِ الحَدِيْثِ ، واصْطِلاحَاتِ المُحَدِّثِيْن :
لَمْ تَحْظَ عُلُوْمُ الحَدِيْثِ بالتَّصْنِيْفِ التَّأصِيْلِيِّ مِنْ أَئِمَّتِهِ الكِبَارِ يَحْيَى وعَلِيٍّ وأَحْمَدَ - الذَّيْنَ اسْتَقَرَّتْ عُلُوْمُ الحَدِيْثِ عِنْدَهُم - كَغَيْرِهَا مِنْ فُنُوْنِ العِلْمِ مِنْ أَئِمَّتِهِ ومُؤسِّسِيهِ ، - كَمَا سَيَأتِي تَفْصِيْلُ ذَلِكَ فِي مَوْضِعِه - مِمَّا جَعَلَ أُصُوْلَ هَذَا الفَنِّ ؛ - كَأُصُوْلِ عِلَلِ الحَدِيْثِ ، وأُصُوْلِ الجَرْحِ والتَّعْدِيْلِ ، واصْطِلاحَاتِ أَهْلِ الحَدِيْث - غَيْرَ وَاضِحَةٍ لِمَنْ جَاءَ بَعْدَهُمْ ؛ إلاَّ مَنْ تَلَقَّى هَذِهِ العُلُوْمَ عَنْهُمْ مُبَاشَرَةً ، وهَذَا مُلاحَظٌ فِي مَنْ أَخَذَ عَنْهُم مُبَاشَرَةً - كالبُخَارِيِّ وأَبِي زُرْعَةَ وأَبِي حَاتِمٍ الرَّازِيَّينِ وغَيْرِهِم - مِمَّنْ لَمْ يَأخُذْ عَنْهُمْ .
وسَأَذْكُرُ فِي هَذَا البَابِ مَا يُوَضِّحُهُ ويُبَيِّنُهُ بِسِيَاقٍ تأرِيْخِيٍّ بِذِكْرِأَوَّلِ مَنْ أَثَّرَ فِي ذَلِكَ ، وعَمَّنْ مَنْ أخَذَ هَؤلاءِ الأئِّمَّةُ الثَّلاثّةُ هَذَا العِلْمَ ، ومَايَتْبَعُهُ فِي هَذَا البَابِ ، وذَلِكَ فِي ثَلاثَةِ مَطَالِبَ :
المَطْلَبُ الأوَّلُ : مَنْ هُمْ شُيُوْخُ هُؤلاءِ الأَئِمَّةِ الثَّلاثَةِ الذَّيْنَ وَقَعَ لَهُمْ تَأثِيْرٌ عَلَيْهِم :
أَشْهَرُ مَنْ انْتَهَتْ إلَيْهِ مَعْرِفَةُ عُلُوْمِ الحَدِيْثِ وأُصُوْلِهِ – قَبْلَ الثَّلاثَةِ الكِبَارِ يَحْيَى وعَلِيٍّ وأَحْمَدَ – ثَلاثَةٌ هُمْ : عَبْدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ المَرْوَزِيُّ ( 118 – 181 هـ ) ، ويَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ القَطَّانُ ( 125 – 197 هـ ) ، وعَبْدُ الرَّحْمَن بنُ مَهْدِيٍّ ( 135 – 197 هـ ) البَصْرِيَّانِ ، والثَّلاثَةُ الكِبَارُ يَحْيَى وعَلِيٌّ وأَحْمَدُ أَخَذُوْا عَنْ هَؤلاءِ الثَّلاثَةِ سِوَى ابنِ المُبَارَكِ فَلَمْ يَأَخُذْ عَنْهُ سِوَى يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ .
وهَؤلاءِ الثَّلاثَةُ الكِبَارُ – ابنُ المُبَارَكِ ، ويَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ ، وابنُ مَهْدِيٍّ - أَخَذُوْا عَنْ أَئِمَّةِ الحَدِيْثِ الأَرْبَعَةِ الكِبَارِ ؛ وهُمْ : شُعْبَةُ بنُ الحَجَّاجِ البَّصْرِيُّ ( 87 – 160 هـ ) ، وسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ( 97 – 161 هـ ) ، ومالِكُ بنُ أَنَسٍ المَدَنِيُّ ( 93 – 179 هـ ) ، وعَبْدُ الرَّحْمَنُ بنُ عَمْرُوٍ الأَوْزَاعِيُّ ( 88 – 158 هـ ) ، والثَّلاثَةُ الكِبَارُ ابنُ المُبَارَكِ ، ويَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ ، وابنُ مَهْدِيٍّ أَخَذُوْا عَنْ هَؤلاءِ الأَرْبَعَةِ سِوَى الأَوْزَاعِيِّ فَلَمْ يَأَخُذْ عَنْهُ ابنُ مَهْدِيٍّ.
المَطْلَبُ الثَّانِي : أَوَّلُ مَنْ أَرْشَدَ الأَئِمَّةَ الثَّلاثَةَ يَحْيَى وعَلِيّاً وأَحْمَدَ بِكِتَابَةِ المُسْنَدِ جَمْعَاً ودِرَاسَةً واحْتِجَاجَاً :
تَقّدَّمَ أنَّ أَحَدَ أَئِمَّةِ الحَدِيْثِ فِي طَبَقَةِ شُيُوْخِ الثَّلاثَةِ الكِبَارِ يَحْيَى وعَلِيٍّ وأَحْمَدَ ؛ ابنُ المُبَارَكِ المَرْوَزِيُّ ،وهُوَ – كَمَا تَقَدَّمَ - أحَدُ أَئِمَّةِ الحَدِيْثِ الكِبَارِ الذَّيْنَ أَثَّرُوْا فِيمَنْ بَعَدَهُمْ ، وهُوَ أوَّلُ مَنْ رَأيْتُهُ تَكَلَّمَ فِي طَبَقَاتِ " الرُّوَاةِ المَشْهُوْرِيْنَ بطَبَقَاتِ الأَصْحَابِ " ، وهُوَ مِنْ أَوَائِلِ مَنِ افْتَخَرَ بِهِ وُلاةُ أَهْلِ السُّنَّةِ وأُمَرَائُهُم فِي فَضْحِ الكَذَبَةِ فِي حَدِيْثِ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، وغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَحَاسِنِهِ التَّي سَيَأتِي بَيَانُهَا وذِكْرُهَا فِي تَرْجَمَتِه لاحِقَاً بِإذْنِهِ تَعَالى وتَيْسِيْرِهِ .
وهَذَا الإمَامُ الكَبِيْرُ قَد أَخَذَ عَنْهُ أَئِمَّةٌ كِبَارٌ ومِنْهُم أَبُو عَبْدِ اللهِ نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ المَرْوَزِيٌّ ( - 128 هـ ) الذَّي لَمْ يَرْحَلْ مِنْ مَرْو إلاَّ بَعْدَ وَفَاةِ شَيْخَهِ ابنِ المُبَارَكِ فَقَدْ لازَمَهُ مُدَّةً طَوِيْلَةً ارْتَوَى فِيْهَا مِنْ عِلْمِهِ بِمَا أَغْنَاهُ عَنِ الكَثِيْرِ مِنْ أَقْرَانِ شَيْخِهِ .
ومَقْصَدُنَا هُنَا أنَّ نُعَيْمَ بنَ حَمَّادٍ هُوَ أوَّلُ مَنْ أَرْشَدَ الأَئِمَّةَ الثَّلاثَةَ يَحْيَى وعَلِيّاً وأَحْمَدَ - ومَنْ فِي زَمَانِهِمْ - إلى العِنَايَةِ بالمُسْنَدِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : كِتَابَةً وجَمْعَاً ، مُذَاكَرَةً وحِفْظَاً ، تَحْقِيْقَاً ومَعْرِفَةً ؛ لِصَحِيْحِهِ مِنْ سَقِيْمِهِ ، ومُتَّصِلِهِ مِنْ مُنْقَطِعِه .
فَكَانَ حَثُّهُ لَهُمْ دَافِعَاً لنَقْلَةٍ نَوْعِيَّةٍ فِي هَذَا العِلْمِ وفُنُوْنِهِ .
قال أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ - فِيمَارَوَاهُ عَنْهُ أَبُو بَكْرٍ المَرُّوْذِيُّ - :
جَاءَنَا نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ - ونَحْنُ عَلَى بَابِ هُشَيْمٍ ، نَتَذَاكَرُ المُقَطَّعَاتِ - فَقَالَ : جَمَعْتُمْ حَدِيْثَ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْه وسَلَّمَ ؟! قَالَ : فَعُنِيْنَا بِهَا مُنْذُ يَوْمَئِذٍ .
وفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَحمَدَ بنِ حَنْبَلٍ : قَدِمَ عَلَيْنَا نُعَيْمٌ فَحَضَّنَا عَلَى طَلَبِ المُسْنَدِ .
والذَّي يَظْهَرُ لِي أَنَّ مَا حَكَاهُ أحَمْدُ مِنْ حَثِّ نُعَيْمٍ لَهُم يَكُوْنُ بَيْنَ سَنَةِ تِسْعٍ وسَبْعِيْنَ وسَنَةِ ثَلاثٍ وثَمَانِيْنَ .
فَكَمَا سَيَأتِي فِي تَرْجَمَةِ أحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ قَوْلُهُ : سَمِعْتُ مِنْ هُشَيْمٍ سَنَةَ تِسْعٍ وسَبْعِيْنَ ، وهِيَ أَوَّلُ سَنَةٍ طَلَبْتُ فِيْهَا الحَدِيْثَ .
وهُشَيْمٌ مَاتَ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ ثَلاثٍ وثَمَانِيْنَ ومِائَةٍ .
والأَقْرَبُ أن يَكُوْنَ بَعْدَسَنَة إحدَى وَثَمَانِيْن لِكَوْنِ نُعَيْمٍ لَمْ يَرْحَلْ مِنْ مَرْو إلاَّ بَعْدَ وَفَاةِ شَيْخِه ابنِ المُبَارَكِ سَنَةَ إحدَى وَثَمَانِيْنَ ومِائَةٍ ، وهِيَ السَّنَةُ التَّي مَاتَ فِيْهَا ابنُ المُبَارِكِ شَيْخُ نُعَيْمٍ .
فَيَكُوْنُ قُدُوْمُ نُعَيْمٍ لَهُمْ وحَثُّهُمْ عَلَى طَلَبِ المُسْنَدِ بَيْنَ سَنَةِ إحدَى وثَمَانِيْنَ وثَلاثٍ وثَمَانِيْن ومِائَةٍ .
ونُعَيْمٌ ؛ هُوَ ابنُ حَمَّادِ بنِ مُعَاوِيَةَ الخُزَاعِيُّ المَرْوَزِيُّ ، أَبُو عَبْدِ اللهِ نَزِيْلُ مِصْرَ ، أحَدُ أَئِمَّةِ أَهْلِ السُّنَّةِ والحَدِيْثِ ، حُبِسَ بِسَامُرَّاءَ بِسَبَبِ مِحْنَةِ خَلْقِ القُرْآنِ حَتَّى مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وعِشْرِيْنَ ومِائَتَيْنِ ، وأَوْصَى أَنْ يُدْفَنَ فِي قُيُوْدِهِ .
وهُشَيْمٌ ؛ هُوَ ابنُ بَشِيْرِ بنِ القَاسِمِ بنِ دِيْنَارٍ السُّلَمِيُّ ، أَبُو مُعَاوِيَةَ ابنِ أَبِي خَازِمٍ الوَاسِطِيُّ .
وهُشَيْمٌ أَحَدُ شُيُوْخِ أهْلِ الحَدِيْثِ الكِبَارِ ، وفِي حَدِيْثِهِ وحِفْظِهِ يُقَارَنُ بِسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وشُعْبَةَ ، وهُوَ شَيْخُ المُحَدِّثِيْنَ فِي زَمَانِهِ بالعِرَاقِ وكَانَ يَسْكُنُ بِوَاسِطٍ – بَيْنَ الكُوْفَةِ والبَّصْرَةِ – وتُوُفِّيَ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ ثَلاثٍ وثَمَانِيْنَ ومِائةٍ .
***
ويَأتِي فِي المَقَالَةِ الثَّالِثَةِ : المَطْلَبُ الثَّالِثُ : قُدُوْمُ الشَّافِعِيِّ عَلى أهْلِ الحَدِيْثِ ، وتَصْحِيْحُهُ الطَرِيْقَ لِفِقْههِ وحُجِّيَّتِهِ ، دُوْنَ عِلَلِهِ وجَرْحِهِ وتَعْدِيْلِهِ ؛ فَلَمْ يُقَدِّمْ لَهُمْ فِيْهِ شَيْئَاً بَلْ هُوَ أَخَذَ عَنْهُم ذَلِكَ .
***
انتهى ، وللهِ الحمدُ والمِنَّةُ ، وكَتَبَه أبو محمد عبد الوهاب بن عبد العزيز الزيد – 3/4/1437 هـ .
الموضوع الأصلي : <font color="#FF0000" size="1" face="tahoma">المَقَالةُ الثَّانِيةُ فِي المَدْخَلِ<font color="#FF0000" size="1"> -||- ال**در : مُنْتَدَى أَنَا مُسْلِمَةٌ -||- الكاتب : <font color="#FF0000" size="1" face="tahoma">نور الفتاح
</p>
<span id="twitter_btn" style="margin-left: 6px; ">
المصدر: Forums


hglQrQhgmE hge~QhkAdmE tAd hglQ]XoQgA