العقول المهدرة
شاهدت في وسائل التواصل الاجتماعي، صورة مؤثرة لمواطن عراقي متشرد بشعر طويل ولحية كثة، وملابس ممزقة ومتسخة، واتضح أنه البروفيسور الدكتور حميد خلف العكيلي، عالم الكيمياء النووية وأستاذ بجامعة كمبردج البريطانية، والذي سجن في العراق في عهد ما بعد صدام حسين لسنوات، وخرج من السجن بعد أن فقد عقله، وهام في شوارع بغداد، وفي الصورة التي شاهدتها كان طلبة الجامعة وأصحاب الدراسات العليا، يلجأون إليه، ليحل لهم مسائل الكيمياء الذرية المستعصية، فيا له من مآل محزن ومخز بنفس الوقت.

وهذا الخبر دفعني للتفكير والبحث، عن **ير أمثاله من الكويتيين والعرب، لأكتشف أن حالة العكيلي ليست وحيدة أو نادرة، فقبل أيام بدأت المقالات في الصحف الكويتية، تذكر مثالاً للدكتور مثنى السرطاوي، جراح العظام الذي أسهم بتطوير عمليات تبديل الركبة بطريقة جديدة، من دون ضرر يلحق بالعضلات المحيطة بالركبة، وقد كان من ضمن الفريق الطبي، الذي أجرى عملية جراحية للرئيس الأميركي السابق جورج بوش، وعين لإنجازاته مديراً لأحد المراكز الطبية، وهو مركز برسنز كوفنت هوسبتال في الولايات المتحدة الأميركية، بالإضافة إلى رئاسته لقسم جراحة العظام في مستشفى كريستي كلينك العالمي.

هذا يذكرنا بزميله الكويتي الأقدم، الباحث والجراح المتخصص في علاج الأورام السرطانية، والذي كرمته جامعة جورج تاون الأميركية، بمنحه مقعد جون ديلون، لتمويل أبحاثه في علاج الأورام جراحياً، وهو الدكتور وضاح الرفاعي، الذي عاد إلى وطنه الكويت بعد دراسة وتخصص، ولم يلق الاهتمام الذي يليق به، فاستدعته الولايات المتحدة، وعومل بما يليق بمكانته كجراح عالمي متميز.

وأيضاً سمعت عن جراح متخصص بالعظام، عرضت عليه ال***ية البريطانية، ورفضها متمسكاً ب***يته الكويتية، واتفق مع المستشفيات البريطانية للعمل فيها من خلال عقد عمل، وعلمت من **ادر عدة أن هناك عددا من الأطباء المتخصصين الكويتيين، يعيشون ويعملون في الولايات المتحدة وبريطانيا وغيرهما من الدول المتقدمة، بينما لفظتهم الكويت دون أن يلقوا التقدير الملائم، وتستورد عوضاً عنهم استشاريين عالميين برواتب عالية جداً.

وقد ذكرت جريدة «الراي» في عددها الصادر في 7 يوليو 2013، أن المهاجرين من الكويتيين تبلغ أعدادهم وفق احصائيات معهد الإحصاء لعام 2005، ما يقارب 80 ألف كويتي، كشفت عنه وزيرة التخطيط السابقة معصومة مبارك، وتشير بعض ال**ادر الخبرية أن مئات منهم أطباء وأكاديميون وتجار ذهبوا إلى خارج الكويت، بسبب قلة الفرص في بلدهم.

ومن خلال البحث وجدت أن هناك أكثر من 12 عالماً عربياً في مختلف العلوم الفيزيائية والرياضيات، يعيشون في أمريكا وبريطانيا وفرنسا، حيث لاقوا التقدير ومعظمهم حصلوا على جوائز عالمية في مجالاتهم.

يا له من هدر مؤسف لهذه العقول الوطنية والعربية المميزة، الذين لم يجدوا التقدير في بلادهم المتخلفة، التي لا تقدر العلم والثقافة، وتغربوا ليحصلوا على حقهم من التقدير الملائم، إنه لأمر موجع أن يمنع كتاب ويحجر على حرية الإبداع والتعبير والاطلاع، ويسمح للفكر التكفيري بالترعرع والسيادة في مجتمعاتنا وعلى عقول أطفالنا.
المصدر: Forums


hgur,g hgli]vm